Strabisme ...

منذ ارتعد كيانه من تأثير الثّورة و اتّساع ثقب الأمل دفعة واحدة لم يعد قادرا على كبح جماح نفسه, التوتّر أصبح قرينه و الانفعال روتينا لا مفرّ منه ...عيناه المتعبتان لم تعودا قادرتين على الاتفاق حول وجهة  واحدة ...تذمّرت العين اليسرى في البداية ثمّ انحازت عن الطّريق ...لم يقبل بوجهه الجديد, كانت النظّارات تساعده على تجاوز سهام الآخرين له و لحوله , كالحاجز تفصله عنهم و تحميه من أذاهم و تبعث فيه بعضا من الاطمئنان و الثقة ....يرفض أن يعترف أنها آخر ما تبقى له من ثقته في العالم , يتصارع مع اليأس و الخيبة كلّ يوم و يستقيم,هادئا بالمسكّنات حينا و  مستسلما للانفعال تمرّدا عليها غالبا...

يوم رآها شعر أنهما يتقاسمان نفس الخيبة , نفس الاحباط المتمرّد ,نفس العبث و نفس الفضول ....كانا يبحثان عن شيئ غريب, شيئ منفرد و مختلف..للمعرفة لا غير.كانت مجنونة فعلا, بل لعلّها أجنّ منه لأنها لم تكن تبالي فعلا بالآخرين أو لعلّها تستنكر حضورهم السلبي و تنتقم منهم بتلقائية فجّة و مربكة ...غالبا ما كانت تعي بسخافة و تسرّع ردود فعلها فيؤلمها النّدم لكنّها تنتهي بإقناع نفسها بأنها مختلفة و تنام...النّوم وحده كان  ينقذها من نفسها.كانت تقطّع ضميرها بمشرط وتعوي في صمت ... تلك هوايتها السرّية , لا أحد يعلم ما تضرمه في نفسها من نيران و حروب مماّ جعل انفعالاتها و ردود فعلها تبدو لها سطحيّة مهما بلغت من تطرّف...أهي حقاّ متطرّفة؟

تعبّر عن رفضها بوجاهة و تنتقد الذّاهب و الآتي...ليس مؤلما أن تقول لأحدهم بأنّه محدود معرفيّا لاستمالتها اذا ما صاغت له للتّمهيد  بأن ثقافتها أيضا  ليست بذلك العمق و بأنّها ترغب في من يزيدها معرفة لا في من يجذبها نحو ا لأسفل أو يتخبّط معها في مستنقع الاشتباه و المعارف العمومية ...ليس مؤلما أن تقول لآخر بانّه يجب عليه أن "يتفلفل" قليلا للتمكّن من غواية النساء و هو بصدد مغازلتها باحتشام ...ليس مؤلما أن تنعت العجوز بالعجوز و البلاي بوي بالبلاي بوي والسّخيف  بالسّخف و أن تشنّ حربا على نفسها و على الآخرين أحيانا.ليس مؤلما ...هي ترى أنّ الوجع كائن فينا لذلك يجب ان نوقظ الوجع كي لا نتألّم في صمت.