مفعول بها...

لست أدري اين أنا الآن , لعليّ غير بعيدة عن نفسي أو لعلّ المسافة التي تفصلني عنها قد غرقت في زمن آخر فوجدتني هنا لكنني هناك في آن واحد...كما لو رميت بنفسي على أخرى تنوبني و تحيى عوضا عنّي ...لست غريبة عنها لأنّها تسكنني منذ وجدت, أعرفها جيّدا لكن كما قلت , بيننا مسافة ...و اليوم أحسّ أنّني هي ...تصحو و تنام , تتأثّر و تبتسم, تذهب لأماكن أمرّ بها مرّ الكرام , لكن معها أحسّ ببعد الأماكن و أفكّ اسرار المعاني ...معها أفهم لماذا اشتريت الوشاح الأخضر لا الأحمر...معها أفهم لماذا تقودني رجلي لذلك المكان لا لغيره , معها أفهم لماذا أوقفت السياّرة على تلك القارعة  بالذّات لا غيرها ...معها أفهم ما لا أفهمه و أنا الأنا الاولى .معها أشعر أنّني أقرب من الوجود ...اقرب الى ما أريد التقرّب اليه.
عيناي متعبتان و الصّداع النصفيّ يلازمني ...مشيت طويلا ظهيرة اليوم , بل تجوّلت تحت الشّمس غير عابئة بالعطش و الجوع , امّي كانت بالبيت , كنت على يقين من أنني سأجد غداءا لذيذا في انتظاري ... و كان كذلك...جميلة هي المدينة العتيقة , كم ندمت لعدم اصطحابي لآلة التّصوير ...ثمّ ماذا؟ هل كنت ستعرّين العدسة أمام الجميع في القيلولة , و أنت امرأة تكاد تكون الوحيدة الغير متحجّبة في أزقّة المدينة ؟ عدسة متجوّلة ظهيرة يوليو , عدسة عارية على  الأرصفة , عدسة ثاقبة تشتري تفّاحا و خزامى من سوق القلاّلين, ثيابا مستعملة من الحفصيّة و حرباء من سوق البلاط...عشر دنانير؟ أليس كثيرا لحرباء "معلالة"..."خلي بستر اللّه, أهاوكة السّوق قدّامك , برّ شوف كان تلقى ...توّا الّي تحبّ تعرّس عليها بأمّ البويا"...و رماني بنظرة تواطؤ  قبل أن يطبق عليها طاس الطّماطم الصّدئ..."لا...لا أرغب في الزّواج...ابني يريدها في عيد ميلاده" ...لم يصدّق أحد أنّني لا أرغب في الزّواج أو على الأقلّ بأنّني لا أنوي بها سحرا...لا يهمّ على كلّ حال  اذا كان المجتمع كلّه متفاهم و متواطئ...لا يهمّ ان لم أفهم أنا ...
وضعتها في السيّارة و أدرت المفتاح...أردت أن أخبرها بما ستؤول اليه أحوالها و بما ينتظرها في بيتها الجديد لكن فضّلت أن تكتشف الأمر بنفسها فسكتّ..أكيد أنّها صبورة مثلي ...لا بأس ستتأقلم مع الوضع  كما تأقلمت بوجودهم في حياتي ...ستحبّهم رغما عنها, ستحبّهم و ان رغبت في الرّحيل الى كوكب آخر أحيانا...ستحبّهم و ان اختفت بين الأغصان لسويعات لتهدّئ من روعها و لتتفادى الضّجيج...ستحبّهم و سترعاهم و تحميهم من الأرواح الشرّيرة ...ترى هل هي حقّا قادرة على فعل شيئ؟؟

آن الأوان لأغادر أناي الثّانية ...يجب أن أعود لنفسي و أنام ...الصّداع لن يزول بالكتابة ..يجب أن أنسى الفاعل و المفعول به , يجب أن أرتاح ...مرسي ..انقلاب... شرعيّة... تمرّد...تونس ...جيش...تنّورة بالأزهار كلوحة زيتيّة... الفستان بدينار ...الحرباء...المرأة الطيّبة في جامع سيدي محرز...المشرب الفخاّر...الأسئلة المطروحة في الاستطلاع...يوليسيس و الأوديسا ...يوسف ... شهوة بائع الخضار ...النّقش على الحائط ...النّفايات...القمامات...القطط...الذّباب...الأبواب ...الحجاب...النّوم...أخخخ, رأسي ستنفجر!

Commentaires