السّاحر


استيقظت على ثغاء الآذان الصّاخب , سبّت للمرّة الألف نفسها على التقاعس في تقديم شكوى بصوت الخروف المصدّع لطبلتيها , سبّت النّظام المتواطئ الذي سمح لقطيع الخرفان باحتلال الجوامع و تلويث المسامع . مدّت لها الضفدعة شيئا يابسا وضعته تحت الوسادة وواصلت التّكاسل في السّرير , تقلّبت كثيرا ليلة البارحة, أحيانا تشعر أنّ ظهرها سيقسم من فرط الالتواء ,كان أغرب حلم قامت به منذ سنين , كلّ ما تذكره هي بقع الضّوء في المشهد كأروع لوحة زيتيّة نيوكلاسيكية ايطاليّة .ضوء سحريّ قادم من الغيب ينيرأفق تلك المكتبة الغريبة الشّاسعة كمكتبة القدّيسة جون فياف بباريس ,لكنّها بلا رفوف .كلّ الكتب كانت متراكمة على الأرض كعمارات شاهقة متصاعدة  نحوالسّقف ...الغريب أنّها لم تكن نجمة الحلم , لم تكن البطلة هذه المرّة ,كانت مختفية على يسار اللّوحة وراء كوم كبير من الكتب , منطوية على كتاب بال  فيما تدور أحداث اللّوحة ورائها . كان اهتمامها يتراوح بين  غرابة ما يحدث خلفها و ما يكنه الكتاب بين يديها .
كان الرّجل  جالسا على سجّاد فاخر كفقير  هنديّ معتمدا على احدى ركبتيه مطلقا ساقه اليمنى نحو الكلب الجاثم أمامه, كلّ اهتمامه كان مسلّطا على ذلك الكلب الرّافض للأكل.أمام الكلب فخذ كبيرة , كفخذ حمار أو بغل تبدو حديثة و طازجة لكنّ الكلب لم يأكلها منذ أيّام و يعلم أنّها ليست بتلك الطّراوة. يشرع الرّجل في تأدية حركات تبدو بهلوانيّة لكنّها في الأصل طقوس قديمة  عهدها  السّاحر لأغراض ما ورائيّة  لا يعلمها سواه من شأنها أن تغيّر مجرى الأحداث. يتغاضى الرّجل عن موقف الكلب و يواصل تأدية طّقوسه الغريبة التّي تبدو شيطانيّة و مشبوهة بعض الشيء , يظهر فجأة رجل و امرأة متّجهين نحوه مسرورين و حاملين أشيائهم للانضمام للدّرس  كمن سيكتشف لأوّل مرّة فنّ اليوقا .تستنكر هي ما يفعله و ترفض الدّخول معهم في عالمه .شيئ فيها يرفض الانسياق نحو عالمه لان العالم المشوّق الذي يشدّها في الكتاب  القديم اصدق و اقوى . .. كأنّ جمال  المكان وسرّ الكتب ووجود الساّحر عالم مكتمل و كانّها توقّفت عند خطّ أحمر يفصلهمنا  رسمه حدسها على أرضيّة تلك المكتبة .
تبقى حيث هي فيما يتراوح اهتمامها من جديد بين ما تفعله  شخصيّات اللّوحة ورائها و فحوى الكتاب بين يديها . قرّرت أن تنام عارية تماما ليلتها لا لشيئ بل لكسل لجلب سروال جديد من الدّرج ,نزعته وهي بصدد قراءة رواية ... لا تحتمل الابقاء على سروال مبلّل أو مندّى فوقها , العري ارحم !
التفتت لتجد أميرة و أحمد يغطّان في النّوم حذوها فابتسمت , عندما تتأخّر في النّهوض يتسلّلان في الصّباح الى سريرها كسارقين , تذكرت الضّفدعة و الشّيئ اليابس ,هزّت الوسادة لتتثبّت من الأمر فوجدت الهاتف مفكّكا لثلاث أجزاء تحت رأسها تذكّرت أنّها أسقطته أرضا عندما أزاحت غطاء السّرير البارحة  وتركت البطّارية و الهيكل جثثا هامدة على الأرض قبل أن تستسلم للنّوم.
دخلت الحمّام ففتح عليها أحمد الحمّام صارخا: "منذ متى تستحمّين في الصّباح انت؟؟"" أجابت بعصبيّة أيضا "وما شأنك بي أنت,أخرج و أغلق الباب!" ,لعلّ صوت الماء أزعجه في سماع صوره المتحرّكة أو لعلّها التّعلّة الألف التي يوظفها ليراها عارية .أصبح يلمسها من ردفيها بسبب وبدون سبب ,الامر الذي يغيضها و يحرّك فيها رغبة فطريّة لمعاقبته,يذكّرها بتحرّش الأوباش بها في الحافلات أيّام كانت تقضي قرابة السّاعتين بين ال63 و ال4ت لبلوغ كلّية منوبة , لكنّها واعية بأنّه لن يظلّ طفلا مدى الحياة و متفهّمة لما تضرمه فيه هرموناته و فضوله, راجعت كتب دولتو و روفو وجدت الاجابات للتصدّي دبلوماسيّا لوقاحة ابنها منذ زمن  لكنّ شيئا فطريّا فيها كان يرغب في الانتقام منه بوحشيّة .كلّما تجاوز حدوده و تسقط المسؤوليّة ثقلا من حديد على كاهلها فتصمت.تواصل الكتابة في صمت أيضا أو لعلّه صراخ غير مسموع.  كيف لا بعد كلّ ما وقع؟ كيف لا بعد كلّ ما فعل بها ؟ هل أنقذتها كلمات دولتو يوم االحادثة؟ هل أنقذها كونها طفلة أمام كهل ؟ لم ينقذها أحد و لعلّ ما حدث ليس بتلك الخطورة كما تقول نوال  ...كلّها أفلام هوّلتها مخيّلتها لتختلق أسبابا للكراهيّة الكامنة فيها , اكيد أنّ الشّر قابع فيها هي و أنّها هي من يؤذي و من يؤلم أولائك الطيّبين المساكين المحيطين بها .كلّهم ضحيّة , هي فقط الجانية الشرّيرة المليئة حقدا وكراهيّة .بلا سبب...GRATUITEMENT!أطلّت أميرة و طلبت بلطف أن تأخذ هي أيضا حمّاما بعدها فوافقت , تذكّرت أنّ كل ّ ما تريده أميرة هو استعمال قارورة الشامبو ميكي  الجديدة التي اشترياها معا البارحة . واصل الماء انهماره على جسدها المثقل بالكوابيس و تذكّرت الضفدعة النّاطقة التي اعترضتها يوما في الوادي .أسدلت روب الحمّام ثمّ تنهّدت أمام المرآة :"آه لو كانت الحياة سحريّة مثلما كانت عليه في مخيّلتها و هي طفلة.. " 

Commentaires