ثمرة بلا اسم

في يوم العيد استيقظت فلمحت من بعيد ذلك الشاّب الوسيم قادما,رأت هالة من الهواجس تحيط به, له نفس ثقلهم و نفس قلقهم و خوفهم من المجهول لكنّه يرى و يسمع.دققت النّظر في وقع خطاه اللّطيفة على الأرض...مرهف جسده كحسّه, يتمشّى محموما ظهيرة اربعاء  كمن رمي به في الجحيم ويهذي ...فتاة جميلة لا أطالها هناك و أخرى قصفت بسيارة الأجرة التي انتظرت , سائق يبصق في وجه الأرض فتتوعّده بالانتقام و تنسى , أمّ تبلّ منديلا وتكمد به راس ابنها الرضيع في حملتها , شابّ يسفّ ما تبقّى من حفنة الحمّص المقليّ في يده و تثقب عيناه مؤخرة الفتاة الصّاعدة في سيارة  مجهول.
رفع رأسه كمن سمع النّداء فرآها, لم يفكّر بجمالها و لكنّه أحسّ بوجودها,واصل سيره و تأمّله في حين قرّرت هي  أن تنام عنده ليلتها ,ركبت قلبه وواصل هو  سيره نحو الجحيم , أحسّ لحظة  صعودها بارتعاشة طفيفة أرجحها للحمّى التي تلازمه  فتوعّدها بالمكيّف و كاس ماء بارد. لكنّ الحمّى تضاحكت لجهله و هيأت مكانا للثّمرة الغريبة.
لا أحد يرى تدلّيها كعنقود أمل و لا أحد يعرف اسمها, لكنّها هناك تختلج بهواجس  المارّة  و تحاكي ألوان ثيابهم  , تبحث من عليائها عن سبب انشغالهم عن الحبّ و سرّ سخطهم على أنفسهم و على العالم...لا تفقه شيئا من عالمهم  الحزين المتشنّج .وسخهم و بذاءتهم و عنفهم صاعد اليها و هي , الحسناء من هناك تبحث في جدوى وجودهم و سبب يشدّها عن السقوط فوق رؤوسهم المتعرّقة النّتنة .
نزع حذاءه وجلس يتنفّس بعناء على الأريكة الخشبيّة , لا شيئ يعجبه في ذلك البيت سوى كتبه و العصفور , كان يخاطبه كآدمي و يجيبه العصفور بنظرات مسكونة بالغيب. ليس عصفوره  كبقيّة  العصافير .هو عصفور  عاقل و ناطق  و هو ما يجعله لا يشعر أبدا بالوحدة.
كانت تتجوّل عارية كعادتها عند دخوله ,تقول أنّ لا شيئ يشعرها بالحرّية قدر تجوالها عارية تماما في البيت , لطالما عاتبها و عبّر لها عن وجوب ستر عورتها عند قدومه  لكي تبقى مثيرة و وغامضة , عراؤها فجّ كنقمتها عليه أحيانا و كحضورها خلسة لمراقبته وهو يتبوّل ,منعها مرارا من ذلك أيضا فأصبحت تختفي أوتطلّ من ثقب الباب  لتراه يفعلها  .تعجبها طريقته في فتح أزرار السروال و في الامساك بمثانته ...حركات ميكانيكية خالية من الشعريّة بالنسبة له لكن صيغتها الرجاليّة الخالصة  تثيرها ...كانت أصابعه  تتجه بوثوق نحو الهدف و تتخذ الشكل و المسافة  المناسبتين للامساك بالعضو المتدلّي كثمرة حان قطافها .
جلست قبالته و فتحت الشّاشة , بقيت احداثها تدور حيث تركها البارحة, في جبل الغرابى عنهم حيث خرجت غيلان من العالم السفلي و راحت تقتّل كل دواب الجبل من ذئاب و خنازير و حتى القنافد! يستيقظ أهالي القرية  كلّ يوم على رائحة الدّماء و أسراب الذّباب  القادمة من البلد المجاور. أصيب العصفور بالذّعر من مشهد الدّماء و من المساحيق على وجه المذيعة الباعث على القلق فلم تعد زوايا القفص تسعه.التفت الرّاوي للجنية راجيا منها تغيير القناة فأغلقتها و انتفضت تنفخ الهواء نحو الحمّام ,تذكّر أنّ عليه أيضا ان يستحمّ فالتحق بها .
سمعت خطاه خلفها فأسدلت الثوب ببطئ و تشفّ ثمّ  صبّت الماء على جسدها المكتنز , ضحك من مشاكستها و ضمّها اليه :
-نسيت أن أخبرك أنني اشتقت اليك
أبعدته عنها بعض الشّيئ  وقالت:
-رائحتك تغيّرت اليوم...اشمّ عليك رائحة الخشب ,أكنت في الغاب تحطب؟
نعم وسأنهال عليك بفأسي الآن لأقطع رأسك و لسانك الطّويل- 
حطّاب مجرم  يقطع الحطب في النّهار و الرّؤوس في الّيل؟-.


Commentaires