تجريم

أجمل ما فيه هي أنوثته لكنّه انسان هشّ.  كانت ترى فيه مرآة عاكسة لبعض ما فيها من ضعف ,  

 ضعف تحاربه من سنين لدرجة جعلت ذكوريتها طاغية و مزعجة أحيانا. 

تعاهدت مع نفسها بأن لا تؤذيه مهما بلغ من بذاءة و قلّة أدب . بالرّغم من كلّ عيوبه هو انسان مرهف و بامكانها فعلا إيذائه .كلّ ما يريده هو أن تكتبه, أن ترويه للآخرين لكنّها لن تفعل و لن تشبع نرجسيّته البائسة...البؤس...ليت هذه الكلمة تطبق على رأسه همزتها فيستيقظ من هستيريّته و أنوثته المفرطة.                                          

فيه شيئ فريد قد لا يعي به هو نفسه و ان ذكرته له سيقول لك: "حتما, أنا أعرف ذلك حقّ المعرفة!"لكنّه لا يفقه شيئا من قدراته الماورائيّة, كلّ ما يستطيع ادّعائه هزلا  هو مجرّد افتراض نبوّة ...لكنّه ليس بنبيّ هو ساحر و   حسب تتلاعب بحواسّه كبار الجان ... كان يسرد جاهدا اقصى ما يوحون له به , لكنّه غير قادر  على 

كبح جماحهم و توجيه مسارهم حسب إرادته. لم يكن بعد قادرا على اخضاعهم لإمرته.                                    

وصفته سهلة و كانت ترغب في مساعدته لكنّها رأت فيه كثيرا من الكسل و الانتهازيّة .كطفل عثر على أمّه بعد ضياع و راح يتمرّغ على فخذيها و يرفع يديه باكيا كي تحمله لأنّه غير قادر على تسلّقها بنفسه.كان يرغب في أن يكون طفلا وأن يسلّم أمره لها . ترى فيه بوضوح أحيانا  ذهنيّة المومس المدلّلة .مومس واثقة من نفسها  ولازالت تعتقد أنّ جسدها باهظ الثّمن في حين أنّ قطارها صفّر و عليها أن تجتهد كغيرها لجلب الزّبائن.                                                                      

صبرت عليه طويلا قبل أن تستشير الحاوية , لكنّ الحاوية أصرّت مرارا قبل أن تفتح فاها و تصرخ بالنّداء :"هاته و الاّ سأبتلعكما سويّة "...احتقرتها وواصلت السّير حذوه متعلّقة كقطّة بزنده الهزيل و اذا برائحة كريهة تنبعث في الهواء. كذّبت نفسها في البداية ثمّ ارتمت في الحمّام تدلك جسدها و بضرها...لكنّ الرّائحة العفنة ما انفكّت تقوى و تعكّر كلّ شيئ حولها.  أصبحت الرّائحة كلّية الحضور , تلازمها أينما ذهبت و تغطّي كلّ الرّوائح الأخرى بل حتّى كلّ حواسّها .تبّا !

                                                                                          

سبّت الحاوية ويوم الشّؤم الذي دخلت فيه في صراع مع عالم الزّبالة قبل أن تتّجه الى عيادة الطبيبة النّسائيّة  ... بالرّغم من تمرّدها كانت ترفض أن تكشف عورتها لغير عشيقيها , لذلك توجّهت لامرأة أخصّائية لا لرجل.                                                                                                                          

 شيئا ما ورائيّا كان يجذبها للقذر و المقرف منذ النّشأة...تذكر يوما أنّها أحبّت بائع سمك من النّظرة الأولى و بعد أن تمشّت معه قليلا تفطّنت أنّ عالم الرّوائح سيلعب دورا كبيرا في حياتها فتركته و راحت تبحث في القاطع المشترك بين فرمونات الرّجال الجذّابين في نظرها. بعيداعن عالم البحار ,كان ذلك قبل أن يقتفي بوسيدون أثرها.                                                                                                                          

دخلت العيادة للمرّة الثّانية منذ سنتين فاستقبلتها السكرتيرة الجديدة بنفس السؤال البليد:" مدام هذا لقبك أنت أما شنوّ لقب راجلك؟" وأجابتها بنفس نبرة التحدّي  التي أجابت بها السّكرتيرة القديمة منذ سنة: " ما تستحقّوش خاطرما عنديش راجل , طلّقتو ...", كانت قاعة الانتظار ضيّقة في الطّابق الثّالث من الحيّ الشّعبيّ و كانت مليئة بنساء أكثر ما يصفهنّ هو أنّهنّ تقليديّات . التفتن اليها مرتعدات من خطرها على توازنهنّ الزّوجيّ , ربّتت واحدة منهنّ على بطنها المنتفخ بما لا يقلّ على ستّة أشهر من الحمل في حين التفتت الأخريات لبعضهنّ في قلق و تجرّأت أشجعهن في أسف: "مكتوب...", لم تكن كلمة مكتوب مقلقة بقدر ما كان أسلوب نطقها مهينا ,كمن سلّط عليه وبال...في نظر تلك السيّدة المحترمة المتخرّجة من كلّية الفنون كانت هي مصنّفة ك "مسكينة" وحسب   . كلّ ما كانت ترغب في قوله لها و لغيرها هو أنّ  بامكاننا أن  نكتب ضدّ التيّار و ان بد ا مثاليّا في نظر العامّة , أنّ الكتابة تناغم ورقص جميل بين أيادينا و يد الربّ  قبل أن يكون صراعا أو خضوعا لما كتب. .. أنّ الحياة مغامرة هدم لا رحلة تأسيس كما قال عنان.                                                                                 

كاشفتها الطّبيبة و مدّتها بقائمة الأدوية , عند خروجها  أحسّت بطعنة في ظهرها لكنّها و كعادتها أرادت التثبّت من شعورها ذاك , عندما التفتت للطّبيبة الجاثمة وراء مكتبها لتلقي سلاما أخيرا و ابتسامة اجتماعيّة قبل غلق الباب نهائيّا ,صعقها اليقين.الطّبيبة صنّفتها و انتهى أمرها. هل ستعود اليها لتثبت لها انسانيّتها أم أنّ احباطها من جهل الطّبيبة أوسع من رحابة صدرها و رغبتها في الاصلاح؟هل كونها أخصّائيّة  في حميميّة الجسد يسمح لها بالحكم بمهنيّة في  حميميّة  الأخلاق؟                                                                                        

 ليس عيبا أن نسيء الاختيار أو أن نخاطر ,العيب بعينه كامن  في التستّر كوحوش وراء منضومة جاهزة,  العيب في الامتداد في الخطيئة أو تجريم أصحابها و سجنهم في جحيم اجتماعي أو الاهيّ... تذكّرت قول  راوية ساخطة في العرب"أصبحت سماؤنا تهطل أحكاما منذ ادّعينا اللإيمان ".                                                                                                                      

بعد أسبوعين من الأقراص و التّحميلات زالت الراّئحة وتعافى الفرج الجريح لكنّ شيئا في نفسها كان بعد مؤلما .تمنّت أن تكون لها صديقة مومسا تضحكها و تنسيها أحكام من لهم قبض معويّ. ترى ما هو حال المومسات وحاملي السيدا و المثليين و الممثلين و المخرجين و الرّاقصين و المغنّين؟ أكلّهم مصنّفون في نفس الحاوية الذّهنيّة الجماعيّة ؟ لا شكّ لها في ذلك...كلّهم سواسية أو على الأقلّ هم الأقربون  بالتّهمة,"فساد أخلاقي" والعياذ باللّه  .أخ ,كم أنتم بائسون يا معشر المتخلّقين و المحترمين,كم أنتم راكبون على الأخلاق و الايمان و كم اللّه بعيد عن تجارتكم ونفاقكم.