une autre...


كانت تهاتفه عديد المرّات لتسمع صوته و حسب, "الألو" تكفيها...تسمعها وتغلق الخطّ ...كانت الألو وحدها قادرة على بعث الرّوح فيها ليوم كامل أو أكثر...
أمسك بها يوما و كاد أن يقتلها خنقا قبل أن ينتزعها من يديه جمع أصدقائه...سعلت طويلا وهو يرمقها بازدراء ثمّ لمّت أشلاءها و ذهبت .لم تنس يومها أن تطمئنّ على وصوله سالما للبيت, طلبت من الخادمة أن تعدّ له كأس بابونج لتهدئة أعصابه قبل أن تغلق هي الأخرى الخطّ في وجهها.
سماع صوته كان بمثابة الحدث الخارق للعادة في حياتها ... اشترت عطره و صارت ترشّه يوميّا على يدها قبل الخروج ,  تقبّل صورته قبل النّوم و ساعة القيام ,  تجمّع بقايا سجائره في علبة و تغيب مبتسمة لساعات أمام  أثر أقدامه على التّراب...
لم يعد يهمّها أحد غيره, كانت تنسحب وحيدة دون استئذان ممن معها لتراقبه عن بعد... تقيّم بالدقائق المدّة التي يقضّيها لبلوغ منزله و تتخيّل كلّ تحرّكاته قبل رفع السماعة من جديد ...حاول مرّات أن يباشرها بالحديث و أن يتقرّب منها  ليفهم شيئا من غرابتها لكن ذلك كان يربكها كثيرا بل يصيبها بحملة فزع فتهرب بعيدا كالمعتوهة . يوم لامست يده يدها عن غير قصد , عزفت عن غسلها لأسبوعين , قبل أن يجنّ جنون والدتها حول غسل الصّحون "النّصفي" وما يسبّبه من تبذير  للمياه.
تعوّد أهله على اتّصالاتها و أصبح هو أيضا غير مكترث بهرسلتها ... لم يكن يعلم كلّ ما كانت تحبكه حوله ولا الجهد الذي تبذله للتّواجد  غير بعيدة عنه , شيئا مّا في جنونها كان يطمئنه فبالرّغم من كلّ البنات اللواتي يحمن حوله لم تبق واحدة على ثباتها كما بقيت هي ...أصبحت جزءا مكمّلا لمحيطه ككلب أو قطّة يستأنس بها ...دامت حكايتها – هي بطبيعة الحال حكايتها وحدها- ثلاث سنوات قبل أن تنتقل مع عائلتها إلى مدينة أخرى...
يوم بلغها خبر وفاته بطلقة ناريّة من قنّاص  رفعت عينيها بسرعة نحو العدم الممتدّ عبر النّافذة  ثمّ واصلت رقن المحضر لرئيس القسم .

Commentaires